هذه علمانيتي … هذه سوريتي

تدور في سورية هذه الأيام بين أوساط بعض من يعلنون انتماءهم إلى الطبقة المثقفة الحريصة على مدنية سورية حوارات غالباً ماتكون غيرعلنية، لكنها ترشح إلى فئات الشعب المختلفة وتتفاعل وتلاقي ماتلاقيه من أصداء. تحاول هذه الحوارات تفنيد أسباب “الأزمة” الحالية، وتصل مدعومة بخطاب وسائل الإعلام إلى النتيجة المتمثلة بإلقاء اللائمة على التطرف الديني (الإسلامي) الذي أصبح منفذاً لكل من يملك أجندة معادية ينفذ منه لضرب الوحدة الوطنية والاستقرار في سورية.

ونظراً لتواتر هذا التحليل والاستنتاج وتعميم النتائج أصبح اليوم كل من يحمل فكراً دينياً محافظاً متهماً ضمنياً وحتى اشعار آخر من قبل هذه الأوساط بخدمة المصالح المعادية سواءاً عن حسن أو عن سوء نية، كما أصبح مهدداً بطبيعة الحال لمستقبل الأقليات الدينية والمذهبية ولـ”علمانية” الدولة.

على الرغم من أنني غير معني هنا بنقاش صوابية التحليلات المذكورة من عدمها، إلا أنني أجد نفسي معنياً بتداعيات نتائج هذه التحليلات لما لها من انعكاسات على تفكير ومواقف فئات كاملة من الشعب السوري. قد يكون من الجنون المطلق إنكار وجود منابر تحريضية تضخ (منذ سنوات) فكراً تكفيرياً متطرفاً يلاقي تجاوباً أو تقبلاً من قبل أفراد أوفئات محددة في سورية كمافي غيرها لأسباب عديدة لامجال لذكرها، لكنه من الجنون أيضاً الاعتقاد بأن هذا الفكر قد اتخذ له كمعاقل في سورية قرى وأحياءً وبلدات كاملة أصبحت تأتمر بأمر دعاته وتسيّر من قبلهم كما يسيّر مسلوب الإرادة فاقد الوعي وأدنى مقومات المسؤولية الوطنية، وإن كان ذلك الاعتقاد جنوناً فإن التعامل معه وكأنه حقيقة قد تجاوز الجنون إلى الانتحار فبات كثير من السوريين يصنفون قراهم وبلداتهم وأحياءا كاملة من مدنهم في فئتين تحمل كل منهما العداء للأخرى ويتبع ذلك مايتبعه من فرز لايستطيع أحد اليوم أن ينكر أنه يأخذ طابعاً طائفياً مذهبياً، وبذلك يكون السوريون قد انتهوا من حيث خشيوا البدء، فواجهوا الطائفية التي أراداو أن يحاربوها بالطائفية نفسها ولكنها هذه المرة مغلفة بغلاف يحلو للبعض تسميته وللمفارقة بالـ”وطنية”.  وهنا يبرز السؤال الأهم: هل الطائفية التي نخشاها تتجسد فقط في شكلها الصارخ المتمثل باستهداف الآخر المختلف طائفياً؟ هل خطر الطائفية على هوية ومدنية سورية يتمثل فقط في القتل الذي  يمارسه التكفيريون؟! أم أنه يتعدى ذلك إلى تهديد مفهوم المواطنة السورية بالكامل؟! وبناءاً عليه أي حماية يرتجيها أصحاب هذه المواقف لمدنية وعلمانية سورية في النهاية؟! وهل الوطن الذي يبتغونه قائم على تحييد واستعداء فئة كاملة من السوريين؟!

قد يذهب البعض إلى أن هذا التوصيف للوضع السوري لايخلو من المبالغة، إلا أن استطلاعاً بسيطاً  لآراء العامة من الأقليات الدينية يوضح أي استقطاب وصلنا إليه في سورية، كماقد يذهب آخرون في المقابل إلى أن مثال العراق لايزال شاهداً على مايمكن أن يحدث في سورية، لكن الرد المنطقي على هذا الطرح هو أن رد الفعل القائم حالياً لا يصب أبداً في مايمكن أن يعد تفادياً لتكرارسيناريو العراق! ولعل الدليل الأكبر على صحة كل ماسبق هو الاتهام المشين الموجه لأهالي باب السباع الحمصية برفع العلم الاسرائيلي، اتهام من شأنه أن يقوض كل مايجمع السوريين وأن يهدم قيماً توارثوها وتشاركوها عبرأجيال.

أمام ذلك كله، وتمسكاً مني بمواطنتي ومواطنة السوريين جميعاً، لاأستطيع سوى أن أرفض وبشكل قاطع أي اتهام اعتباطي، ضمنيا كان أم علنياً، يوجه لأي سوري يوصف بالمحافظ دينياً، كما أعتبر أي تخوين مجاني يطال شيخاً أو إمام مسجد في أي بقعة سورية هو تخوين يطالني شخصياً واتهام لي في انتمائي ووطنيتي، أنا السوري المنحدرمن أقلية مذهبية العلماني إلى أقصى الدرجات.