من أمامكم

“البحر من ورائكم والعدو من أمامكم” …

قالها مدرس مادة التاريخ لنا نحن الطلاب المراهقون وانتشى بخطبة الفاتح العظيم طارق بن زياد التي ألقاها في جنده وهم يطؤون أرض شبه الجزيرة الإيبيرية للمرة الأولى، ويستعدون للانقضاض على سكانها من القوط وغيرهم من الشعوب التي تسكنها، ويقال أيضاً أن ابن زياد أحرق سفن الجيش الفاتح ليقطع على جيشه خياراته جميعاً باستثناء قتال الأعداء حتى النصر.

انتصر طارق نصرا عظيماً وغنم ومن معه من الغنائم عديداً، ثم تابع من خلفه في القيادة الفتوحات، فسقطت المدينة تلو الأخرى وحل النصر وراء النصر … إلى شاءت الأقدار الماكرة أن تضع حداً  لهذا المجد كله، فكانت المعركة الشهيرة التي وقعت بجانب بواتييه الفرنسية، إلا أن الجيش العربي الإسلامي أبى قبل اندحاره إلا أن يسطر أسمى آيات البطولة والفداء وقدم من أبطاله الكثير الكثير فكانت المعركة الأخيرة بلاطا للشهداء.

 

أعترف أني، أنا الصبي وقتها، لم أجزع لأمر في هذا التاريخ كله بقدر جزعي على بلاط الشهداء، اللهم إلا سقوط غرناطة وقصيدة أبي البقاء الرندي التي قال فيها بعد ثمانمئة عام :

 

 

أعِـندكُم  نَـــبَأ  مِـن أَهـلِ أَندَلُــسٍ    فَـقَد سَـرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ

حَيـثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما      فـيـهِنَّ  إِلّا نَـواقِيسٌ وصـلبانُ

يـا أَيُّــها الـمَلكُ الـبَيضـــاءُ رايَـــتُهُ    أَدرِك بِـسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا

 

 

فذلك العدو الفاجر الذي كان من أمام جيش طارق، لم يكتف بأن ألحق بنا هزيمة بواتييه التي سحقت أحلامنا في أن تكون بلاد الفرنجة عربية إسلامية إلى الأبد، بل كان هو نفسه من أخرجنا من أرضه وأرسلنا نحن وحضارتنا وديننا إلى حيث جئنا !!

 

 

 لقد علمنا بناة أجيالنا أن أعداءنا هم رجال تجرؤوا على أن يأمنوا في أوطانهم إلى أن أفزعهم ذلك الرعب القادم بعمائم بيضاء من الشرق، فقاموا يذودون عن وجودهم ويدفعون الموت عن عائلاتهم وأطفالهم …

 

أما نحن الأطفال الذين كبرنا، لانزال نحار اليوم لماذا نفزع كما فزع أعداؤنا أولئك حين يخرج من بيننا من يحمل قيم ابن زياد ويريد استكمال الحرب على الكفرة ويتوعد برفع راية الله على أرضنا !!.