يختلف إسلاميو تركيا عن نظرائهم العرب باختلاف تجربة كل منهما التاريخية. نشأ الإسلام السياسي التركي في كنف العلمانية الأتاتوركية النازعة إلى الديمقراطية والمحروسة من قبل الجيش الكمالي، فيما نمت حركات الإسلام السياسي العربية كالفطور تحت ظلال الديكتاتوريات العسكرية، والتي، وبرأيي الشخصي، كان من ضمن المطلوب من وجودها أن تقوم بدور “الفرن” لإنضاج الراديكالية والتطرف الإسلاميين تحضيراً لمرحلة لاحقة.
عندما أراد المؤسس والأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان الوصول للسلطة في سبعينيات القرن الماضي سلك الدرب الوحيد المتاح و هو صناديق الاقتراع، وعلى الرغم من أن طريقه كان شاقاً وأن كل الأحزاب السياسية التي أسسها تم حلها بدءا بالنظام الوطني مرورا بالسلامة الوطني ثم الرفاه ثم الفضيلة وانتهاء بحزب السعادة، إلا أنه استطاع أن يصل إلى رئاسة الوزراء عبر خوض الانتخابات، فيما كانت تجربة الاخوان المسلمين دموية في سوريا والجزائر، واستتبعت بالدماء لاحقاً في مصر.
يعيد الانقلاب الذي حاول الجيش تنفيذه على رجب طيب اردوغان وحزبه العدالة والتنمية إلى الأذهان علاقة معلمه اربكان بمؤسسة الجيش ويضيء على المكتسبات التي حققها التلميذ الجامح والنفوذ الذي أصبح يتمتع به، وهو مايجعل دراسة التجربة التركية كاملة في صلب أي جهد سياسي اجتماعي يهدف لفهم كيفية التعامل مع القواعد الجماهيرية الواسعة للإسلاميين في دول المنطقة على طريق وضع اسس ومبادئ ديمقراطية حقيقية تكفل الحقوق الدستورية، بعيداً عن نهج القمع والاضطهاد الذي أثبت أنه يمكن أن يؤدي لنسف بنية الدولة الهشة أصلا بكاملها، نظراً لكونه ينطوي على خطر أن يسلك الإسلاميون طريق الديكتاتورية نفسه، وبالتالي الحصول على امتيازات الحاكم العسكري نفسها ونتائج ذلك الكارثية على المجتمع والحياة السياسية في الحالتين.