غلبة العقل في الإسلام

“تقديم العقل على النقل” أم “تقديم النقل على العقل” ! هما التياران “الفكريان” اللذان تنازعا الإسلام الرسمي خلال تاريخه.

ظهر المنهج الأول القائل بتقديم العقل خلال المائة سنة الأولى لظهور الإسلام في العهد الأموي متمثلاً بحركة المعتزلة التي أسسها واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري لخلاف فكري بينهما، وسرعان ما تعمق وتشعب فكر المعتزلة وقدموا في سبيله شهداء لعل من أبرزهم غيلان الدمشقي، الذي يعتبره البعض الأب الحقيقي لحركة التنوير، والذي عذبه وقتله وصلبه هشام بن عبدالملك، ثم ازدهر المذهب في العصر العباسي ووصل ذروته بوصول أحد اتباعه إلى الخلافة وهو الخليفة المأمون مؤسس النهضة الفكرية والعلمية الإسلامية والحاكم الذي كان يزن الكتب المترجمة بالذهب والذي أسهم بتحويل العربية من لغة شعر ونثر إلى لغة علم وفلسفة، ويعد الجاحظ من أشهر كتاب المعتزلة إلا أن الأجواء العقلانية التي خلقوها في البلاط العباسي ساهمت بظهور العديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة من المتأثرين بالمذاهب الفكرية المتعددة، إلا أن هذا الازدهار الذي استمر في عهدي المعتصم والواثق مالبث أن تلقى ضربة قاضية في عهد المتوكل الذي اختار محاربة المعتزلة والقضاء عليهم.

اضمحل وتلاشى فكر المعتزلة بعد ذلك وتراجعت النهضة الفكرية التي رافقته بالتدريج، غير أن مفكرين إسلاميين متأخرين قرروا احياء المنهج العقلاني وسموا بالمعتزلة الجدد كان أشهرهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، كما ينسب إلى المعتزلة الجدد كل من عبد الرحمن الكواكبي وعباس محمود العقاد.

اليوم يسيطر “تقديم النقل على العقل” على العديد من الأوساط والمؤسسات والمذاهب الإسلامية، ولعل أشهرها وأكثرها راديكالية الوهابية التي تعتبر “تقديم العقل” بدعة، ويرافق هذه السطوة كل مانتج عن تحجيم العقل من تخلف وتطرف بلغ ذروته في الإرهاب الإسلامي ! فهل ينهض العقل مجدداً ؟!

الصورة: رسمة تخيلية لما كانت عليه مكتبة بيت الحكمة في بغداد.